. وداعًا للتصنيفات القديمة.. الضمان الاجتماعي الجديد.. دعم لمن يحتاج، لا لمن "كان"!

في خطوة تعكس تحوّلًا واضحًا في فلسفة الدعم الاجتماعي، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عبر نظام الضمان الاجتماعي الجديد، أن معيار الأحقية في الحصول على الدعم لم يعد مرتبطًا بالتصنيفات الاجتماعية التقليدية، بل أصبح قائمًا على شدة الحاجة، حيث يُقدَّم الدعم لمن هم في أمسّ الحاجة إليه، دون النظر إلى مسميات أو أوضاع سابقة.
هذا التغيير لا يأتي من فراغ، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لإعادة هيكلة منظومة الضمان الاجتماعي، بحيث لا تكون مجرد ملاذ للفقراء، بل أداة فاعلة تساهم في تغيير الواقع المعيشي للمستفيدين، وتفتح أمامهم أبوابًا جديدة للاستقلال والتمكين.
إقرأ ايضاً:لظروفهم الخاصة.. "الضمان الاجتماعي" يعلن عن استثناء 3 فئات من "برنامج التمكين".. فمن هم؟بياناتك قد تستخدم ضدك.. تحذير عاجل من "النيابة العامة" لجميع المواطنين
ويُعد تركيز النظام الجديد على "شدة الاحتياج" نقطة تحول محورية، إذ يبتعد عن الأحكام الجاهزة التي كانت تُلصق بالأسر أو الأفراد لمجرد انتمائهم لفئات محددة، ليُصبح التقييم أكثر عدلًا وواقعية، قائمًا على البيانات والمعايير الدقيقة، لا على الصور النمطية.
وبحسب ما أُعلن، فإن النظام لا يكتفي بصرف المعاش، بل يعتمد مسارًا مزدوجًا يبدأ بالدعم المالي المباشر، ثم يتجه نحو التمكين الاقتصادي، وهو ما يُشكل رؤية شمولية لدور الضمان الاجتماعي، كجسر عبور لا كوجهة دائمة.
ويعني التمكين في هذا السياق توفير برامج التدريب، وفرص العمل، والدعم المهني، وهي خطوات تهدف إلى تحويل المستفيد من شخص ينتظر المعونة، إلى طرف فاعل في المجتمع قادر على الإنتاج والمشاركة.
الرسالة هنا واضحة: الدعم ليس غاية، بل وسيلة مؤقتة لحماية الإنسان في لحظة ضعفه، على أن يُمد له اليد الأخرى ليقف ويستعيد دوره في الحياة، وهذا ما يجعل الضمان الاجتماعي أكثر إنسانية وفعالية.
النظام الجديد أيضًا يقوم على رقابة مشددة وآليات متابعة دقيقة، للتأكد من أن الدعم يصل إلى من يستحقه فعلًا، وهو ما يعزز من الثقة العامة في العدالة الاجتماعية، ويحدّ من استغلال النظام أو التحايل عليه.
وقد أُعلن أن هذه الرقابة لن تقتصر على فحص البيانات، بل تمتد لتشمل التقييم المستمر لمدى استفادة الأفراد من برامج التمكين، ومدى تحسّن ظروفهم، مما يعزز من الأثر الفعلي للنظام على الأرض.
ما يميز هذا التوجه الجديد أنه لا ينطلق من موقف عاطفي فقط، بل من رؤية تنموية ترى في الإنسان قيمة ينبغي الاستثمار فيها، وليس مجرد متلقٍ للمساعدة، وهذه فلسفة متقدمة في إدارة الشأن الاجتماعي.
ولعل أهم ما في هذا الإعلان هو وضوحه، وشفافيته، إذ وضع النقاط على الحروف وأزال الالتباس الذي ظل عالقًا لسنوات، حول من يستحق الدعم ومن لا يستحق، ليغلق باب الاجتهادات، ويفتح أبواب العدالة المؤسسية.
ومن المهم أن يُدرك المجتمع أن النظام الجديد لا يلغي الحماية، بل يعيد تعريفها، ليجعلها أكثر عدالة وشمولًا، فلا أحد يُقصى لمجرد أنه لا يندرج تحت تصنيف قديم، ولا يُمنح أحد الأفضلية إلا بقدر حاجته الحقيقية.
هذه الخطوة أيضًا تتماشى مع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى رفع جودة الحياة، وتقليل الاعتماد على المعونة، وتعزيز مفهوم الإنتاج الذاتي والتمكين المهني، ضمن مسار تنموي واسع يشمل كل فئات المجتمع.
وفي ظل هذه التوجهات، بات من المهم لكل فرد أو أسرة تسعى للحصول على الدعم، أن تُدرك أن الاستحقاق لا يُبنى على الورق فقط، بل على الواقع، وأن النظام يفتح أبوابه لكل من تتوافق حالته مع شروط الدعم الفعلية.
وفي النهاية، يُمثل هذا التغيير نقلة في فكر الضمان الاجتماعي، من نظام تقليدي قائم على المساعدات الدائمة، إلى منظومة ذكية تهدف إلى صناعة التغيير، وتحويل الاحتياج إلى فرصة، والفقر إلى بداية جديدة.