في خطوة تاريخية .. السعودية تعتمد تدريس الذكاء الاصطناعي في التعليم العام ابتداءً من العام الدراسي المقبل

اعتمدت المملكة العربية السعودية إدراج مادة "الذكاء الاصطناعي" ضمن مناهج التعليم العام ابتداءً من العام الدراسي المقبل 2025 – 2026، في خطوة تاريخية تُجسّد رؤية طموحة نحو بناء اقتصاد معرفي مستدام، وتعزيز تنافسية المملكة على الساحة الرقمية العالمية، هذا القرار يُعد امتداداً لرؤية المملكة 2030 التي وضعت التحول الرقمي والابتكار في قلب استراتيجياتها الوطنية، مع التركيز على تمكين الجيل القادم من أدوات المستقبل.
وسيتضمن المنهج الجديد محتوى متدرجًا يبدأ بمفاهيم مبسطة وتطبيقات تفاعلية في المرحلة الابتدائية، ليتوسع تدريجيًا في المرحلتين المتوسطة والثانوية إلى موضوعات أكثر تعقيدًا مثل تصميم النماذج، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والبرمجة المرتبطة به، ليشكل بذلك مسارًا تعليميًا متكاملاً يعزز فهم الطلاب لهذا المجال الحيوي.
إقرأ ايضاً:"عبدالله عطيف" يعلن "أصعب قرار" في حياته.. ويوجه رسالة مؤثرة للجماهيرتغييرات جديدة على نقاط حافلات الرياض ... "هيئة النقل" تقرر إغلاق نقطة حافلات 221 اعتبارًا من 17 يوليو
ويُعد هذا التوجه نقلة نوعية في تطوير المناهج الدراسية، إذ يتم لأول مرة تقديم الذكاء الاصطناعي كعنصر تعليمي ثابت ضمن منظومة التعليم العام، وليس كمجرد نشاط إثرائي أو مبادرة محدودة، وهو ما سيُحدث تحولاً عميقًا في طريقة تفكير الأجيال الجديدة وتعاملها مع التكنولوجيا.
وأوضح الدكتور سعيد الأحمري، أستاذ مشارك في الذكاء الاصطناعي ووكيل عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة نجران، أن هذه الخطوة تمثل استثمارًا نوعيًا في العقول الشابة، كما تؤسس لنقلة معرفية تستهدف تمكين الطلاب من مهارات التحليل المنطقي والتفكير النقدي وحل المشكلات عبر أدوات الذكاء الاصطناعي.
وأكد الأحمري أن إدخال هذا المقرر في مراحل مبكرة يُعد خطوة استراتيجية تؤهل الطلاب منذ سن صغيرة للتفاعل مع مفاهيم الثورة الصناعية الرابعة، وتمنحهم القدرة على الابتكار والمنافسة على مستوى عالمي، خاصة في ظل تزايد الطلب العالمي على المهارات التقنية المتقدمة.
ويأتي هذا القرار متوافقًا مع المكانة الرقمية التي تحتلها المملكة، بعد أن أصبحت مركزًا إقليميًا في مجالات الحوسبة السحابية، ومراكز البيانات، وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يستوجب إعداد جيل قادر على استيعاب هذه القفزات التقنية الكبيرة والمشاركة في صناعتها.
وسيُركز المنهج الجديد على تعزيز التعلم العملي والأنشطة التطبيقية، بحيث لا يقتصر على الجانب النظري فقط، بل يُشرك الطلاب في مشاريع مصغرة وألعاب تعليمية تفاعلية تحاكي بيئة العمل الحقيقي في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجة، مما يرسّخ المفاهيم في أذهانهم بشكل فعّال.
كما سيتناول المنهج موضوعات حيوية تتعلق بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي والخصوصية والشفافية، بهدف تنشئة وعي تقني مسؤول لدى الطلاب، يوازن بين التقدم التكنولوجي والاعتبارات الإنسانية والاجتماعية، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل التحديات الأخلاقية المصاحبة للتطور الرقمي.
وتُعد هذه المبادرة انعكاسًا للجهود التي تبذلها وزارة التعليم بالتعاون مع الجهات الوطنية المعنية بالتقنية، مثل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، لتعزيز جاهزية المجتمع التعليمي للانخراط في عالم يتسارع فيه الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة.
ومن المتوقع أن تُدرّب الوزارة المعلمين والمعلمات على تدريس هذا المنهج الجديد من خلال برامج تأهيل نوعية تُركّز على الجوانب التربوية والتقنية معًا، وذلك لضمان نقل المعرفة بشكل فعّال وتحقيق أقصى فائدة تعليمية ممكنة من المقرر الجديد.
ويفتح إدخال منهج الذكاء الاصطناعي الباب أمام تطوير المناهج الأخرى لتتواكب مع متطلبات العصر الرقمي، إذ بات من الضروري أن تُعاد صياغة التعليم بحيث يُصبح أكثر ارتباطًا بالواقع التقني وأسواق العمل المستقبلية، في ظل تراجع الأدوار التقليدية للوظائف.
وتؤكد هذه الخطوة التزام المملكة بتعزيز تعليم المهارات المستقبلية، حيث تنظر القيادة الرشيدة إلى التعليم ليس فقط كوسيلة لاكتساب المعرفة، بل كبوابة رئيسية للابتكار والتمكين الاقتصادي، وهو ما يُترجم فعليًا في مثل هذه القرارات التقدمية.
وستُسهم هذه المبادرة في ترسيخ الهوية التقنية للجيل السعودي الجديد، وجعله فاعلاً في صناعة القرار التقني، لا مجرد مستهلك له، مما يعزز من السيادة الرقمية للمملكة ويفتح آفاقاً جديدة للتميز والريادة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة.
ويُتوقع أن تثمر هذه المبادرة، على المدى الطويل، عن تخريج أجيال من المبرمجين والمبتكرين السعوديين، القادرين على المساهمة في تطوير حلول ذكاء اصطناعي تخدم المجتمع، وتسهم في دعم الاقتصاد الرقمي الوطني، وتعزز مكانة المملكة في مصاف الدول المتقدمة تقنيًا.