من الأرض إلى الأسواق...تبوك تتربع على عرش إنتاج العنب في المملكة بأكثر من 46 ألف طن سنويًا

تُسجّل منطقة تبوك حضورًا متزايدًا ولافتًا في مشهد الإنتاج الزراعي الوطني، بفضل ما تتميز به من طبيعة جغرافية فريدة ومناخ مثالي يتيح لها التفوق في زراعة الفواكه، وعلى رأسها العنب الذي بات يمثل علامة فارقة في سلة الإنتاج الزراعي السعودي، ومع استمرار الجهود التنموية، تواصل المنطقة تصدير كميات كبيرة من هذه الفاكهة إلى الأسواق المحلية بجودة تضاهي المنتجات العالمية، ما يعزز من مكانتها على خريطة الأمن الغذائي الوطني.
ويُعتبر العنب تحديدًا أحد أبرز المحاصيل التي تُميز تبوك، حيث تنتج أكثر من 46,939 طنًا سنويًا، وهو ما يعادل نحو 38،39% من إجمالي إنتاج المملكة، وفقًا لبيانات حديثة صادرة عن فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة في المنطقة، وبهذا الرقم، تحتل تبوك موقع الصدارة كأكبر منطقة منتجة للعنب في المملكة، مستفيدة من التربة الخصبة، ووفرة المياه، والمناخ الملائم لنمو هذا النوع من الفواكه بكفاءة وجودة عالية.
إقرأ ايضاً:"الحصيني" يحذر ... رياح الغبرة تضرب بقوة بسرعة 70 كم في الساعة وتستمر ل ...!حين تصبح بقايا الأشجار تحفًا فنية.. اكتشف موهبة محمد الجربوع
وتنتشر في تبوك نحو 1,580,000 شجرة عنب، مزروعة في مزارع مختلفة تغطي مساحات واسعة من المنطقة، وتُدار باستخدام أحدث تقنيات الري والتسميد، وتعتمد تلك المزارع على أنظمة دقيقة مثل نظام P،P،M في توزيع المغذيات، الأمر الذي يسهم في تعزيز كفاءة الموارد الطبيعية، وتحقيق مستويات عالية من الإنتاج المستدام بما يتماشى مع أهداف المملكة في التنمية الزراعية.
وقد شكّلت البرامج التوعوية والإرشادية التي تقدمها الوزارة، مثل ورش العمل والندوات المتخصصة، رافدًا مهمًا في نقل المعرفة الحديثة إلى المزارعين المحليين، وتُعد هذه المبادرات ضمن حزمة من الجهود المبذولة لتمكين المزارعين من تطبيق أساليب الزراعة الذكية، ورفع كفاءة الإنتاج من خلال تطوير مهاراتهم ومعارفهم في تقنيات الزراعة الدقيقة.
وأكد المهندس أمجد بن عبدالله ثلاب، مدير فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة في تبوك، أن الأصناف المزروعة في المنطقة تشمل تشكيلة متنوعة من أجود أنواع العنب، مثل البرايم، السبريور، الريد جلوب، الأوتوم رويال، المون بولز، والإيفانس، وهذه الأصناف ليست فقط مفضلة لدى المستهلك المحلي، بل تتمتع بقابلية كبيرة لدخول الصناعات التحويلية المختلفة.
وأشار ثلاب إلى أن العنب المنتج في تبوك يُستخدم في تصنيع عدد من المنتجات الغذائية، مثل العصائر الطبيعية، والمربى، والزبيب، ما يفتح آفاقًا جديدة لرفع القيمة الاقتصادية المضافة للقطاع الزراعي في المنطقة، وهذه العملية تدعم أهداف رؤية السعودية 2030 في تنويع الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الزراعي كمصدر استثماري واعد.
وبيّن أن نمو الإنتاج جاء ضمن مبادرات تطوير سلاسل الإنتاج الزراعي التي تعمل الوزارة على تنفيذها، والتي تهدف إلى زيادة استثمار المزارعين في المحاصيل ذات الميزة التنافسية، كما أشار إلى أن الفرع يعمل على تقديم كل الخدمات الممكنة للمزارعين لرفع إنتاجيتهم وتحقيق عوائد مجزية، وتشجيعهم على التوسع في الزراعة العضوية والتسويق الذكي للمنتجات.
ولفت إلى أن زراعة العنب في تبوك لا تقتصر على الإنتاج المحلي فحسب، بل تمثل محورًا هامًا في جهود تعزيز الأمن الغذائي الوطني، لا سيما في ظل تنامي الطلب على الفواكه المحلية، وارتفاع ثقة المستهلكين بجودتها ومواصفاتها الصحية، وهذا ما يجعلها خيارًا مثاليًا في خطط الاستيراد المحلي وحتى التصدير الخارجي مستقبلاً.
وتُعد المنطقة اليوم منصة خصبة للاستثمار الزراعي، بفضل تكامل العوامل المناخية والدعم الحكومي، وتوفر الكوادر الزراعية المؤهلة، مما يمنحها فرصة رائدة في الدخول إلى الأسواق الخليجية والعالمية، خاصة أن التوجهات الحالية تسير نحو دعم المزارع الصغيرة والمتوسطة ورفع قدراتها الإنتاجية والتسويقية.
ويبرز دور العنب كمصدر دخل مهم لعدد كبير من المزارعين في تبوك، وهو ما أدى إلى تنامي الاهتمام بهذا المحصول بشكل غير مسبوق، حيث بدأت تظهر شراكات بين القطاعين العام والخاص لفتح مزيد من قنوات التوزيع والتصدير، وتطوير سلاسل القيمة من الزراعة إلى المستهلك النهائي.
وفي هذا السياق، يواصل فرع الوزارة تقديم الدعم الفني والإرشادي، وتسهيل الحصول على التراخيص، وتوفير الشتلات، وتمكين المزارعين من استخدام التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الأنظمة الذكية في المراقبة والري والوقاية من الآفات، ما يسهم في رفع جودة الإنتاج وتقليل الخسائر.
ويُنتظر أن يشهد القطاع الزراعي في تبوك نقلة نوعية خلال السنوات القادمة، خاصة مع بروز عدد من المشاريع الاستثمارية الجديدة التي تستهدف الأسواق الإقليمية، وتستند إلى البنية التحتية المتطورة التي تمتلكها المنطقة في مجالات النقل والخدمات اللوجستية والتخزين والتوزيع.
إن ما حققته منطقة تبوك في إنتاج العنب يُعد نموذجًا يُحتذى به في بقية المناطق، ويمثل خطوة هامة في الطريق نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية، وتحويل الزراعة إلى قطاع اقتصادي منتج ومستدام، يساهم في دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.