نجوم "الثريا" تنتظر الهلال.. مشهد فلكي نادر يجمع بين الجمال والدلالة التاريخية!

في ساعات الفجر الأولى من هذا اليوم، تزيّنت سماء منطقة الحدود الشمالية بمشهد فلكي نادر أسر أنظار المترقّبين والمهتمين بعلوم الفلك، حيث ظهر هلال شهر "ذو الحجة" المتناقص وهو يقترن بعنقود "الثريا" في مشهد استثنائي يجمع بين الجمال والدقة الكونية.
الظاهرة التي حدثت في توقيت دقيق، أظهرت القمر وهو يحجب جزئيًا عنقود نجوم الثريا، تلك المجموعة النجمية اللامعة التي لطالما ألهمت الشعراء وارتبطت في الذاكرة الثقافية العربية برموز الطوالع والمواسم.
إقرأ ايضاً:شؤون الحرمين توفر خدمات استثنائية لكبار السن وذوي الإعاقة داخل المسجد النبويبعد تعثر صفقة الهلال.. أنجيلينو يقترب من الدوري السعودي مرة أخرى
ولم يكن المشهد مجرد تقاطع بصري عابر، بل حظي بقيمة تراثية عميقة، حيث تُعرف هذه الظاهرة عند البادية وأهل الجزيرة العربية باسم "قران خمس وعشرين"، في إشارة إلى اقتران القمر بالثريا عندما يتجاوز عمره خمسة وعشرين يومً.
وتُعد هذه الظاهرة إحدى العلامات الفلكية التي كانت تُستخدم قديمًا في تحديد بدايات ونهايات المواسم، وكذلك في حساب الأيام المتبقية من الأشهر القمرية، قبل تطور وسائل الرصد العلمي الحديثة.
كما يشير هذا النوع من الاقتران إلى نهاية الدورة القمرية، إذ يأتي الهلال في أقصى مراحله النحيلة، بينما تظهر الثريا بأقصى إشراقها في كبد السماء، كأنهما يتبادلان الأدوار في لحن كوني متناغم.
الهيئات الفلكية والمراصد السعودية رصدت الحدث بدقة، وأكدت أن هذه الظاهرة تتكرر بشكل موسمي، إلا أن وضوحها يختلف حسب الموقع الجغرافي والظروف الجوية، وقد كانت سماء الحدود الشمالية صافية هذه المرة بما يكفي لالتقاط المشهد بوضوح نادر.
وتُعد الثريا واحدة من أبرز العناقيد النجمية المعروفة، وهي تقع ضمن كوكبة الثور، وتضم أكثر من 250 نجمًا، إلا أن سبعة منها فقط تُرى بالعين المجردة، وتشكل ما يشبه الملعقة أو المذراة الصغيرة في السماء.
الاقتران الفلكي بين الهلال والثريا يحمل في طياته دلالة رمزية تتعدى العلم، إذ ارتبط تاريخيًا بأمثال شعبية وتقاليد زراعية، حيث يراه البعض مؤشرًا على تغير في الطقس أو بداية موسم معين.
وفي ظل الاهتمام المتزايد بعلوم الفلك في المملكة، تأتي مثل هذه الظواهر لتعيد ربط الناس بأسمائهم وتذكّرهم بعظمة الكون من حولهم، وتمنح المهتمين فرصة لتوثيق الأحداث السماوية في سياق علمي وثقافي في آن واحد.
الحدث لم يكن مجرد مناسبة للرصد فقط، بل مثّل فرصة لتفعيل الشغف الفلكي لدى فئات الشباب والهواة، الذين تداولوا الصور والمقاطع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وحرصوا على مشاركة اللحظة النادرة مع متابعيها.
كما عبّر عدد من المتخصصين عن إعجابهم بوضوح الظاهرة هذه المرة، مؤكدين أن مراقبة هذه الأحداث تعزز من فهم الظواهر الفلكية وتُسهم في رفع الوعي العلمي بالمجتمع تجاه الكون المحيط بنا.
وتُظهر هذه الظواهر كيف يجتمع العلم بالتراث، والظواهر الكونية بالحس الشعبي، ليكوّنا مزيجًا يثري الذاكرة الجمعية ويُبقي العين شاخصة نحو السماء بحثًا عن المعاني الخفية خلف النجوم.
وتبقى السماء، بظواهرها المتغيرة وتشكيلاتها البديعة، مرآة تفتح أمام الإنسان أبواب الدهشة والتأمل، وتُعيده إلى إدراك مكانته المتناهية في فضاء لا ينتهي.