"الصين تتحدى الحصار الأمريكي: معركة Ascend 910C ضد هيمنة إنفيديا"

كتب بواسطة: حكيم حميد | نشر في  twitter

بينما تشتد قبضة القيود الأميركية على بكين، وتحديدًا على وصولها لأحدث تقنيات أشباه الموصلات الحيوية، تسارع الصين الخطى نحو بناء حصنها التكنولوجي المنيع، إنها تسابق الزمن في سباق محموم لتطوير منظومتها الخاصة بإنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

تعول الصين بشكل كبير على عمالقة الصناعة المحليين، وفي طليعتهم شركة "هواوي"، لتجاوز العقبات وسد الفجوات المتزايدة في سلاسل التوريد العالمية، تُدرك بكين أن الاعتماد على الذات هو السبيل الوحيد لضمان استقلاليتها التكنولوجية في ظل هذه الظروف المعقدة، وتسعى جاهدة لتعزيز قدراتها الإنتاجية والتصميمية.
إقرأ ايضاً:وزارة الزراعة تؤكد.. البيوت المحمية تُقدم حلًا بيئياً لإنتاج غذاء آمن "نهاية المبيدات؟"بالذكاء الاصطناعي والإنذار المبكر.. كيف نجحت منصة "وقاء" في خفض معدلات الأمراض بالحج؟

على الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته الصين في هذا المضمار، إلا أن التقييمات الحديثة تُشير إلى أن الرحلة لا تزال طويلة وشاقة، فما زالت بكين تواجه تحديات جمة ونقصًا حادًا في العديد من المكونات الحيوية، بدءًا من معدات التصنيع المتطورة ووصولًا إلى رقائق الذاكرة عالية النطاق التي تُعد عصب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

يُشير تقرير حديث نشرته شبكة "سي إن بي سي"، واطلعت عليه "العربية Business"، إلى أن هذه الفجوات لا تزال تمثل عقبة كبيرة أمام الطموحات الصينية، فالوصول إلى مستويات الإنتاج الضخم والجودة العالمية يتطلب استثمارات ضخمة وجهودًا بحثية وتطويرية مكثفة، وهو ما تعمل عليه الصين بكل طاقتها.

في وقت تستحوذ فيه شركة "إنفيديا" على الحصة الأكبر من السوق العالمية لوحدات معالجة الرسومات (GPU) المصممة خصيصًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تسعى "هواوي" جاهدة لتقديم بديل وطني منافس، فمن خلال ذراعها المتخصصة "HiSilicon"، طرحت "هواوي" شريحة "Ascend 910C"، التي تُعد أحدث ما أنتجته الصين في هذا المجال الحيوي.

تتداول التقارير أن أداء هذه الرقائق الصينية الجديدة قد اقترب بشكل كبير من أداء شريحة "H20" التي طوّرتها "إنفيديا" خصيصًا للسوق الصيني، في محاولة منها للالتفاف على القيود الأميركية المفروضة على تصدير التقنيات المتطورة، هذا التطور يُشير إلى تصميم الصين على المنافسة بقوة في هذا القطاع.

لكن المعضلة الأكبر التي تواجه الصين لا تكمن فقط في تصميم الرقائق، بل في قدرتهم على تصنيعها بكميات كبيرة وبجودة عالية، فالشركات الصينية المتخصصة في هذا المجال، وفي مقدمتها شركة "SMIC"، ما زالت متأخرة مقارنة بعمالقة التصنيع العالميين مثل "TSMC" التايوانية، التي تُعد الرائدة عالميًا في هذا المجال.

ورغم تمكن "SMIC" من إنتاج شرائح بدقة 7 نانومتر، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في إنتاج هذه الشرائح بكميات تجارية وبتكلفة فعالة ومنافسة، هذا التحدي يتفاقم بشكل خاص في ظل غياب المعدات الضرورية التي تُنتجها شركة "ASML" الهولندية، والتي تخضع لضوابط تصدير أميركية صارمة، مما يُعيق قدرة الصين على مواكبة التطورات العالمية.

تُشكل تقنيات الطباعة الحجرية، وبالتحديد الطباعة الحجرية فوق البنفسجية المتطرفة (EUV)، العائق الأكبر أمام طموحات الصين، تُحظر أميركا بيع معدات الطباعة الحجرية المتقدمة هذه إلى الصين، وهي معدات لا غنى عنها لتصنيع رقائق متطورة على مستوى 3 نانومتر وما دون.

ورغم المحاولات الدؤوبة لشركة "هواوي" لتطوير بدائل محلية من خلال شركات ناشئة مثل "SiCarrier"، إلا أن المحللين يُجمعون على أن الوصول إلى مستوى المنافسة العالمية قد يستغرق سنوات طويلة، بل قد يمتد إلى عقود، هذا النقص في التقنيات الأساسية يضع الصين أمام تحدٍ كبير في سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.

كما أن ذاكرة النطاق الترددي العالي (HBM)، والتي تُعد أساسية لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة، تُواجه نقصًا حادًا في السوق الصيني، فالسوق العالمي لهذه الذاكرة تُسيطر عليه شركات رائدة مثل "SK Hynix" و"سامسونغ" و"مايكرون"، وجميعها تخضع لقرارات واشنطن الصارمة التي تُقيد وصول الصين إلى هذه المكونات الحيوية.

ردًا على ذلك، بدأت الصين في الاعتماد على شركة "CXMT" المحلية لإنتاج هذه الشرائح، في محاولة لتأمين احتياجاتها من الذاكرة المتطورة، إضافة إلى ذلك، دخلت شركة "Tongfu Microelectronics" على خط تغليف واختبار الرقائق، في مسعى حثيث لتأسيس منظومة متكاملة ومستقلة لتصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي.

يرى العديد من الخبراء أن القيود الأميركية، على الرغم من أنها تهدف إلى خنق الطموح التكنولوجي الصيني والحد من تقدمها، إلا أنها في الوقت ذاته شكّلت دافعًا قويًا وغير مباشر للصين لتسريع وتيرة بناء بدائل وطنية، هذه الإجراءات الصارمة دفعت بكين نحو تعزيز قدراتها المحلية والاعتماد على ذاتها بشكل أكبر.

ويُوضح بول تريولو، نائب رئيس شركة DGA-Albright Stonebridge Group، أن الإجراءات الأميركية "حفزت القطاع المحلي على الرغم من الصعوبات، مما دفع شركات مثل هواوي إلى مضاعفة جهودها البحثية والتطويرية"، هذا يعني أن الضغوط الخارجية قد تكون عاملًا محفزًا لبناء قوة تكنولوجية داخلية.

في الوقت الراهن، لا تزال الصين تفتقر إلى التقنيات المتقدمة الكاملة التي تُمكّنها من منافسة أميركا مباشرة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، فالفجوة التكنولوجية لا تزال قائمة في بعض المجالات الرئيسية، وتتطلب المزيد من الوقت والجهد لسدها بشكل كامل.

ومع ذلك، فإن بوادر التقدم واضحة بشكل لا يمكن إنكاره، خصوصًا في مجالات تصميم وتطوير الرقائق، تُظهر الصين قدرة متزايدة على الابتكار وتجاوز التحديات، مما يُنذر بمستقبل قد يشهد منافسة تكنولوجية أكثر شراسة بين القوتين العظميين.

إن رحلة الصين نحو الاستقلال التكنولوجي هي قصة كفاح ومثابرة، مدفوعة بالإصرار على تحقيق السيادة في أحد أهم القطاعات الحيوية للعصر الحديث، فبينما تُحكم القيود من الخارج، تُضاعف الصين جهودها لبناء قدراتها من الداخل، لتُصبح لاعبًا رئيسيًا في عالم الذكاء الاصطناعي.

تُشكل هذه المساعي الصينية تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة وحلفائها، وتُعيد تشكيل ملامح المنافسة التكنولوجية العالمية، فالسؤال المطروح الآن ليس ما إذا كانت الصين ستُصبح قوة تكنولوجية، بل متى ستصل إلى هذا الهدف، وكيف سيُغير ذلك المشهد العالمي برمته.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | هيئة التحرير | اتصل بنا | سياسة الخصوصية