غرامات يومية بـ "ملايين اليوروهات".. "ميتا" تواجه "أقسى" عقوباتها في أوروبا.. فما السبب؟

ميتا تواجه أقسى عقوباتها في أوروبا
كتب بواسطة: بكري العدل | نشر في  twitter

شبح العقوبات يحوم مجددًا فوق شركة "ميتا"، بعدما وجدت نفسها في مرمى نيران الجهات التنظيمية الأوروبية، إثر إصرارها على نموذج الدفع أو الموافقة، الذي أثار جدلاً واسعاً منذ إطلاقه. 

فبينما تؤكد الشركة أنه يوفر للمستخدمين حرية الاختيار، ترى الجهات التنظيمية أن هذا النموذج لا يفي بشروط الشفافية والعدالة المفروضة بموجب قانون الأسواق الرقمية.


إقرأ ايضاً:مرابط الخيول بالرياض.. وجهة صيفية ترفيهية تجمع الرياضة بالطبيعةشؤون الحرمين توفر خدمات استثنائية لكبار السن وذوي الإعاقة داخل المسجد النبوي

التحرك الأوروبي الأخير لم يكن مفاجئًا، بل جاء امتدادًا لتوتر متصاعد منذ اعتماد "ميتا" نموذجًا يُخيّر المستخدمين بين دفع اشتراك شهري للحصول على تجربة خالية من الإعلانات، أو الموافقة على تعقب بياناتهم للإعلانات الموجهة.

هذا الطرح، رغم أنه يعكس أحد وجوه الاقتصاد الرقمي الجديد، إلا أنه لم يقنع المفوضية الأوروبية بصفته نموذجًا يُحترم فيه مبدأ "الاختيار الحر".

الاتحاد الأوروبي، من جانبه، أوضح أن الإجراءات التي اتخذتها "ميتا" لا تزال غير كافية، ولا ترقى إلى مستوى الامتثال الكامل لقانون الأسواق الرقمية، ومن هذا المنطلق، أُبلغت الشركة بإمكانية فرض غرامات يومية إذا لم تعدّل نهجها سريعًا وبشكل جوهري، وهي غرامات قد تصل إلى 5% من الإيرادات اليومية للشركة.

المفوضية لم تكتفِ بالتحذير بل فتحت تحقيقاً رسمياً لمراجعة التعديلات التي أجرتها "ميتا" مؤخرًا، لا سيما بعد تقديمها نسخة معدلة من النموذج تتضمن عرض إعلانات أقل تخصيصًا دون مقابل، هذا التطور لم يكن كافيًا لإقناع بروكسل التي ترى في الأمر مناورة لا تستجيب فعلياً للمتطلبات القانونية.

الجدل لا يقتصر فقط على محتوى النموذج، بل يمتد إلى الطريقة التي تُعرض بها الخيارات على المستخدم، حيث ترى الجهات الأوروبية أن العرض الحالي يميل إلى التأثير النفسي الذي يدفع المستخدم للاختيار الأقل كلفة مالياً، أي الموافقة على التتبع، وبالتالي لا يُعد خيارًا حرًا فعليًا.

من جهتها، ترفض "ميتا" اتهامات المفوضية وتعتبر أنها قامت بما يكفي لضمان الامتثال، وتتهم الاتحاد الأوروبي بتضييق الخناق عليها دون مبرر، مقارنة بشركات تكنولوجية أخرى، وتضيف أن نموذجها يتماشى مع اللوائح العامة لحماية البيانات (GDPR) ويمنح المستخدمين رؤية واضحة وخيارات متعددة.

في المقابل، ترى جمعيات حماية الخصوصية أن النموذج بحد ذاته يمثل انحرافًا عن مبدأ الحماية الشاملة للبيانات الشخصية، لأنه يجعل الخصوصية امتيازًا يُشترى بالمال بدلاً من أن تكون حقًا أساسيًا، وتخشى هذه الجهات أن يُشكل هذا النموذج سابقة تسمح لشركات أخرى بانتهاج أسلوب مشابه.

هذا الصراع لا ينفصل عن السياق الأوسع للتنافس بين السلطة التنظيمية في أوروبا وشركات التكنولوجيا الأمريكية، حيث تسعى بروكسل إلى فرض قواعد أكثر صرامة تحمي المستخدمين من استغلال بياناتهم، بينما تحاول الشركات العملاقة الحفاظ على نماذجها التجارية المستندة للإعلانات.

المعركة الحالية تحمل بعدًا رمزيًا أيضًا، إذ تُعد من أوائل تطبيقات قانون الأسواق الرقمية الذي دخل حيز التنفيذ مؤخرًا، وهو القانون الذي وُضع أساسًا لضبط هيمنة الشركات الكبرى في السوق الرقمية الاوروبية، ونجاح المفوضية في هذه المعركة سيشكل سابقة قانونية مهمة لباقي القضايا المماثلة.

ويُتوقع أن تستمر الإجراءات الرقابية خلال الأسابيع المقبلة، بينما تخوض "ميتا" معركة قانونية وإعلامية موازية، وقد تلجأ الشركة إلى الطعن في قرارات الاتحاد الأوروبي أمام محكمة العدل الأوروبية، ما قد يطيل أمد النزاع ويؤخر تنفيذ أي عقوبات فعلية.

في حال مضت المفوضية في مسار الغرامات، فإن هذا سيؤسس لوضع غير مسبوق من حيث الصرامة التنظيمية تجاه شركات التكنولوجيا، خاصة أن "ميتا" قد تكون مضطرة لدفع ملايين اليوروهات يوميًا إذا لم تُغيّر النموذج بشكل يرضي الجهات الأوروبية.

أما المستخدمون، فهم يقفون في المنتصف، بين شركة تسعى لحماية أرباحها من خلال الإعلانات، وسلطة تنظيمية تحاول ترسيخ مفهوم "الاختيار الحقيقي" كقاعدة ثابتة في الفضاء الرقمي، وهو ما يطرح تساؤلاً أوسع حول مستقبل الخصوصية الرقمية في زمن تهيمن فيه المنصات العالمية على تفاصيل الحياة اليومية.

ومع دخول هذا النزاع مرحلة أكثر تصعيدًا، تبدو ملامح المستقبل غير واضحة، لكن المؤكد أن القضية لن تنتهي قريبًا، وأن تأثيرها سيمتد ليشمل نماذج العمل والإعلانات الرقمية في أوروبا وربما خارجها.

القضية تحمل في طياتها تعقيدات تشريعية، اقتصادية، وحتى أخلاقية، حول قيمة البيانات الشخصية ومَن يملك حق استثمارها، وما إذا كان على المستخدم أن يدفع للحفاظ على خصوصيته، أم أن ذلك يجب أن يكون مكفولًا دون مقابل في أي بيئة رقمية.

وفي ظل سباق متسارع بين التقدم التكنولوجي وتنظيمه قانونيًا، قد يكون هذا النزاع نقطة تحول في العلاقة بين المواطن الرقمي والمنصات الكبرى، لا سيما إن أصرّ الاتحاد الأوروبي على استخدام أدواته العقابية كاملة.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | هيئة التحرير | اتصل بنا | سياسة الخصوصية