بعد أن كان على وشك الانقراض.. كائن صحراوي "أسطوري" يعود للظهور بكثافة في شمال المملكة

توازن بيئي
كتب بواسطة: حكيم حميد | نشر في  twitter

في عمق الصحراء السعودية، وتحديدًا في منطقة الحدود الشمالية، يعيش كائن صحراوي هادئ الملامح، عميق الأثر، يُدعى "الضّب العربي", هذا الزاحف ليس مجرد عنصر من عناصر البيئة، بل أحد ركائز التوازن البيئي التي ساهمت لعقود في استدامة النظام الطبيعي في المناطق الصحراوية.

الضّب، الذي يربطه كثير من سكان الجزيرة العربية بذكريات الطفولة والقصص الشعبية، يتمتع بقدرة نادرة على التكيّف مع أقسى الظروف المناخية، إذ يعيش في بيئات شديدة الحرارة والجفاف.


إقرأ ايضاً:احتفالية إيمانية.. تثبيت كسوة الكعبة الجديدة مع مطلع العام الهجري 1447هـجريًاعملاق الدور التركي يرغب.. أفضل حراس المونديال "بونو" يفكر!

ويعتمد في بقائه على النباتات والشجيرات الصحراوية التي توفر له الغذاء والماء عبر العصارات الداخلية ويصل طول الضّب العربي إلى نحو 85 سنتيمترًا، وهو ما يجعله من الزواحف الصحراوية كبيرة الحجم نسبيًا.

ويستوطن المناطق المفتوحة ذات التربة الصلبة، حيث يحفر جحورًا ملتوية قد يبلغ عمقها مترًا ونصفًا، لتكون مأواه من تقلبات المناخ ومأمنًا من المفترسات.

رئيس جمعية أمان البيئية، ناصر ارشيد المجلاد، أشار إلى أن هذا الكائن، الذي كان مهددًا بالانقراض في وقت سابق، بدأ بالعودة والانتشار مجددًا في السنوات الأخيرة، بفضل الجهود البيئية المتنامية التي تتماشى مع رؤية المملكة 2030.

حيث شهدت المناطق الشمالية تكاثرًا ملحوظًا لهذا النوع، بعد أن شهدت فترات من التدهور بفعل الصيد العشوائي والجفاف.

وبحسب المجلاد، فإن الضّب لا يحمل فقط قيمة بيئية، بل يختزن أيضًا قيمة ثقافية لدى المجتمع المحلي، إذ ارتبط اسمه في الأمثال والمرويات الشعبية بالحكمة، والثبات، والصبر، كما شكّل عنصرًا غذائيًا تقليديًا في بعض المناطق، قبل أن تتحوّل حمايته إلى أولوية في السياسات البيئية المعاصرة.

ويُعد هذا النوع من الزواحف جزءًا لا يتجزأ من شبكة الحياة الصحراوية، حيث يسهم في الحفاظ على الغطاء النباتي عبر سلوكياته الغذائية، كما يشكّل طعامًا لبعض المفترسات، ما يجعل غيابه تهديدًا متسلسلًا للتوازن البيئي الذي يعتمد على العلاقات المتبادلة بين الكائنات.

الضّب، الذي بدا مهددًا بالاختفاء، عاد ليأخذ مكانه في سلسلة الحياة، مستفيدًا من انتشار المحميات الطبيعية التي أُنشئت لحماية التنوع البيولوجي، وجهود التوعية التي تسعى لتغيير سلوكيات الإنسان تجاه الحياة البرية.

ولا تتوقف أهميته عند حدود البيئة فحسب، بل يتعداها إلى كونه مؤشرًا حيويًا على صحة النظم البيئية، فوجوده بكثافة مناسبة يعني أن الغطاء النباتي مستقر، وأن بيئة التربة ما زالت قادرة على دعم الحياة، وهي إشارات يوليها الخبراء اهتمامًا بالغًا في تقييمهم للمنطقة.

وقد عملت الجمعيات البيئية، ومنها "أمان"، على رصد أعداد الضّب وتوثيق أماكن وجوده، ضمن مسارات بحثية تهدف إلى ضمان استمرار انتشاره، وتفعيل البرامج التوعوية التي تُقلل من تهديدات الصيد أو العبث بالجحور.

وتكشف قصة الضّب عن معادلة دقيقة تجمع بين التقاليد والمستقبل، فهو جزء من الذاكرة الشعبية، لكنه أيضًا ركيزة في الرؤية البيئية الحديثة، التي ترى في الحفاظ على كل كائن مكوّنًا من مكوّنات جودة الحياة واستدامتها.

ولا تزال الجهود مستمرة لإعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والصحراء، لتكون علاقة قائمة على الفهم والتوازن، وليس الاستهلاك العشوائي، وهي الرسالة التي يحملها الضّب بهدوئه ووجوده الممتد في مساحات لا يعرفها إلا من عاش قلب الصحراء.

ومع استمرار البرامج البيئية وارتفاع الوعي المجتمعي، تتجه الأنظار إلى مزيد من النجاحات في حماية الكائنات البرية، ومنها الضّب، الذي بات اليوم رمزًا صغيرًا لمعركة كبيرة تخوضها المملكة من أجل بيئة أكثر توازنًا.

الضّب العربي، الذي عاش في الخفاء لسنوات، يعود اليوم إلى الواجهة ككائن يستحق الحماية، والتقدير، بل وربما الفخر أيضًا، لأنه شاهد على التحوّل البيئي الذي يتسارع إيقاعه من أجل مستقبل أكثر خضرة واستدامة.

ومع مرور الوقت، لم يعد الضّب مجرد زاحف صحراوي، بل قصة كفاح تُكتب على رمال الشمال، وترسم حدودًا جديدة لعلاقة الإنسان بالطبيعة، علاقة قوامها التقدير، والرعاية، والتوازن الذي لا يُقدّر بثمن.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | هيئة التحرير | اتصل بنا | سياسة الخصوصية