من فاته المشهد فلينتظر حتى 2043: "بدر ذي الحجة" يظهر في أبعد نقطة له منذ سنوات

شهدت سماء المنطقة الشمالية ليلة الأربعاء مشهدًا فلكيًا استثنائيًا، حيث أضاء بدر ذي الحجة الأفق في ظاهرة نادرة تتكرر مرة كل ما يقرب من عقدين من الزمان، هذا القمر البدر، الذي يُعرف فلكيًا باسم "قمر الفراولة"، هو الأخير في عام 1446 هـ، وقد بزغ من أقصى نقطة في الأفق الجنوبي الشرقي، في حدث لم يُشاهد منذ سنوات طويلة.
تكتسب هذه الظاهرة الفلكية أهميتها من كونها مرتبطة بمدار القمر في السماء، حيث يميل مساره نحو الجنوب بشكل غير اعتيادي، هذا الميل الاستثنائي يجعل ظهور القمر أقرب إلى الأفق، مما يضفي عليه هالة من التميز والجمال، ويجعله أكثر وضوحًا وإبهارًا للمشاهدين، خاصة في مدن مثل عرعر وطريف والعويقيلة.
إقرأ ايضاً:السعودية تطلق كأس العالم للرياضات الإلكترونية بجوائز تصل إلى 70 مليون دولار النفط والذهب يقفزان بعد مقتل قيادات إيرانية في هجوم إسرائيلي
يُعرف هذا الموقع الجنوبي لشروق القمر بأنه الأبعد خلال الدورة القمرية الكبرى، وهو ما يفسر ندرة هذا الحدث، فالدورة القمرية الكبرى تستغرق حوالي 18.6 عامًا لتكتمل، مما يعني أن رؤية هذا المشهد الفريد لن تتكرر إلا في عام 2043 ميلاديًا، ما يجعل من مشاهدته فرصة لا تُعوض لعشاق الفلك.
ويُرجع المختصون في علم الفلك هذه الظاهرة إلى ما يُعرف بـ"أقصى انحدار جنوبي" لمدار القمر، وهي جزء لا يتجزأ من دورة فلكية أوسع تُسمى "الدورة الميتونية"، هذه الدورة تستمر قرابة تسعة عشر عامًا، وتفسر التغيرات الدورية في مسار القمر في السماء، بما في ذلك الميل نحو الجنوب.
تميز القمر البدر بلونه الذهبي المائل إلى الوردي عند شروقه، وهو لون ساحر يضفي عليه رونقًا خاصًا. هذا اللون البديع ليس وليد الصدفة، بل هو ناتج عن تأثير طبقات الغلاف الجوي الأرضي، التي تعمل كمرشح طبيعي لأشعة الشمس المنعكسة من القمر.
هذا اللون المميز هو الذي أكسب القمر لقب "قمر الفراولة"، وهو اسم شائع في بعض الثقافات الغربية للإشارة إلى آخر بدر يظهر في فصل الربيع، هذا اللقب يربط الظاهرة الفلكية بالطبيعة وفصولها، ويضيف إليها بعدًا ثقافيًا وجماليًا.
يعكس اسم "قمر الفراولة" ارتباط الشعوب القديمة بالظواهر الفلكية ودورها في حياتهم اليومية، خاصة في تحديد مواسم الحصاد والزراعة، فالفراولة غالبًا ما تكون جاهزة للحصاد في أواخر الربيع، وهو ما يتزامن مع ظهور هذا البدر.
لقد استقطبت هذه الظاهرة الفلكية النادرة اهتمامًا واسعًا من قبل عدد كبير من المهتمين بعلوم الفلك والمصورين الفوتوغرافيين في المنطقة الشمالية، لقد حرص هؤلاء على التواجد في الأماكن المناسبة لتوثيق هذا المشهد الساحر.
بالنسبة للمصورين، كانت هذه فرصة ذهبية لالتقاط صور فريدة لهذا القمر البدر وهو يتلألأ بلونه المميز في سماء صافية، فصفاء الأجواء لعب دورًا حيويًا في إتاحة رؤية واضحة ومثالية للظاهرة، مما أضاف قيمة كبيرة للصور الملتقطة.
كما تُعد هذه الظاهرة فرصة تعليمية قيمة للجمهور، حيث تُسهم في زيادة الوعي بالظواهر الفلكية وتشجع على التفكير في عظمة الكون وجماله إن مشاهدة مثل هذه الأحداث تُثير الفضول وتدفع البعض للتعمق في دراسة الفلك.
إن رصد "قمر الفراولة" بهذا الشكل الفريد لم يكن مجرد حدث فلكي عابر، بل كان بمثابة دعوة للتأمل في دقة التكوين الكوني وتناغم الظواهر الطبيعية، إنه تذكير بأن الكون يخبئ لنا دائمًا مفاجآت بصرية مدهشة تستحق الاكتشاف.
ومع كل هذه الظواهر الفلكية، تبرز أهمية المختصين والباحثين في هذا المجال، الذين يقدمون لنا تفسيرات علمية دقيقة، مما يُساعدنا على فهم أعمق لما يجري في سمائنا، جهودهم تُثري معرفتنا وتُزيل الغموض عن هذه الأحداث.