"من الازدحام إلى الانسيابية" كيف يغير الذكاء الاصطناعي تجربة الحج والعمرة؟

في قلب مكة المكرمة، حيث يتدفق الملايين من ضيوف الرحمن لزيارة المسجد الحرام، تتجسد روح التطور والابتكار في خدمة المصلين والزوار، ولم تعد إدارة الحشود الضخمة مجرد مهمة تقليدية، بل تحولت إلى علم دقيق يعتمد على أحدث التقنيات لضمان أعلى مستويات الأمان والانسيابية، هنا، يبرز دور الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة روحانية لا تُنسى لضيوف الرحمن، هذا التحول التقني، الذي يشمل استخدام حساسات قارئة عند أبواب المسجد الحرام وكاميرات ذكية، ليس مجرد إضافة تجميلية، بل هو جزء أساسي من استراتيجية شاملة لرفع الكفاءة التشغيلية، وتحسين إدارة الحشود، وتوفير بيئة آمنة ومريحة للملايين.
الهدف الأسمى من وراء هذه التقنيات المتطورة هو رصد الأعداد على أرضية المداخل الرئيسة للمسجد الحرام بدقة متناهية، وهذا الرصد الفوري والدقيق يسمح للجهات المعنية بمتابعة تدفقات الزوار لحظة بلحظة، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، فالتعامل مع حشود بهذا الحجم يتطلب معلومات دقيقة وفورية، ولا يمكن الاعتماد على التقديرات البشرية فقط، فمن خلال هذه البيانات، تستطيع الهيئة تحسين الانسيابية داخل المسجد الحرام، وتوزيع الزوار بشكل يمنع الازدحام، ويضمن حرية الحركة في جميع أرجاء الحرم، وهي خطوة حاسمة لضمان سلامة وراحة ضيوف الرحمن، خاصة خلال مواسم الذروة مثل الحج والعمرة.
إقرأ ايضاً:هل يفعلها "الزعيم"؟ ترشيحات عالمية تضع الهلال في مقدمة المنافسين على لقب كأس العالم للأنديةإشعاعياً… لا خطر حول مواقع إيران النووية حسب وكالة الطاقة
تستشعر الكاميرات الذكية حركة الدخول والخروج بشكل مستمر، مما يتيح مراقبة فورية لتدفقات ضيوف الرحمن، وتحديد نقاط الازدحام بدقة أكبر، هذه المراقبة المستمرة توفر رؤية شاملة للمشهد، وتسمح بالتدخل السريع لتوجيه الحشود وتخفيف الضغط على مناطق معينة، ففي السابق، كانت عملية رصد الازدحام تعتمد بشكل كبير على المراقبة البشرية، التي قد تكون أقل دقة وأبطأ استجابة، أما اليوم، ومع هذه التقنيات، أصبح بالإمكان تحديد أماكن الكثافات بدقة فائقة، ما يسهل على إدارة الحشود اتخاذ قرارات فورية وفعالة لتوزيع الزوار، وتحويلهم إلى مناطق أقل ازدحامًا.
يسهم هذا النظام المزدوج من الحساسات والكاميرات في تحسين توزيع الحشود داخل المسجد الحرام بشكل ملحوظ، ولا سيما في أدوار المطاف والمسعى، وهما من أكثر المناطق حيوية وازدحامًا في الحرم، فتنظيم الحركة في هذه المناطق الحساسة يعد تحديًا كبيرًا، ولكن بفضل هذه التقنيات، أصبح بالإمكان تنظيم الحركة وتعزيز سلامة الزوار، وتقليل مخاطر التدافع والازدحام، خاصة في أوقات الذروة التي تشهد تزايدًا كبيرًا في أعداد الزوار، هذه التحسينات لا تقتصر على مجرد التنظيم، بل تمتد لتشمل تعزيز السلامة العامة، وهو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه الهيئة في جميع جهودها.
إلى جانب رصد الأعداد وتحديد نقاط الازدحام، تعمل هذه التقنيات على تسهيل انسيابية الدخول والخروج عبر الاعتماد على البيانات الدقيقة والتاريخية في اتخاذ القرارات المناسبة، وهذا يعني أن النظام لا يكتفي بالمراقبة الآنية، بل يقوم أيضًا بتحليل البيانات التاريخية لحركة الحشود، ما يساعد على التخطيط الفعال وتوقع أنماط الازدحام المستقبلية، هذا التحليل الشامل للبيانات يسمح للهيئة بإدارة الحشود وفق معايير عالية الدقة، ووضع خطط استباقية للتعامل مع أي تزايد متوقع في أعداد الزوار، مما يعكس الأهمية الكبيرة لتبني مثل هذه الأنظمة لدعم القرارات القائمة على البيانات، وليس على التخمينات.
أوضحت الهيئة أن استخدام هذه التقنية يأتي لرصد حركة الدخول والخروج بدقة متناهية، وتعزيز كفاءة أنظمة إدارة الحشود، وتطوير وسائل مراقبة التدفقات البشرية داخل المسجد الحرام، كما تسعى من خلالها إلى تحليل الازدحام من أجل دعم الجهات المعنية العاملة في المسجد الحرام لتحسين التفويج، وتعزيز التشغيل بتوزيع الأدوار وتحويل الكثافات، كل هذه الجهود تصب في هدف واحد، وهو تحقيق أعلى مستويات الانسيابية والتنظيم، وضمان أن يتمكن كل زائر من أداء مناسكه بيسر وسهولة، دون التعرض لمخاطر الازدحام أو التأخير، وهذه التقنية هي جزء لا يتجزأ من التزام المملكة العربية السعودية بتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن، وتوظيف أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال.
تأتي هذه الخطوة ضمن جهود الهيئة المستمرة لاستثمار التقنيات في تحسين خدمات ضيوف الرحمن، واتخاذ قرارات قائمة على بيانات دقيقة وتحليل شامل للحركة داخل المسجد الحرام، وهذا يؤكد التزام الهيئة بالابتكار والتطوير المستمر، وسعيها الدائم لتحسين تجربة الحج والعمرة، ففي عالم يتسم بالتقدم التكنولوجي السريع، بات استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات إدارة الحشود أمرًا لا غنى عنه لضمان كفاءة وفعالية الخدمات المقدمة في الأماكن المقدسة، وهذه المبادرات ليست فقط لتعزيز الأمن والسلامة، بل هي أيضًا لتعزيز الجانب الروحاني للرحلة، فكلما كانت الحركة أكثر انسيابية وتنظيمًا، زاد تركيز الزوار على العبادة، وقلت معاناتهم من التحديات اللوجستية.