"بعد ارتفاع الأمس".. أسعار النفط تتراجع بفعل مخاوف الرسوم الجمركية وزيادة إنتاج "أوبك+"

في جلسة اتسمت بالحذر والترقب، تراجعت أسعار النفط اليوم الثلاثاء، لتتخلى عن جزء من مكاسبها القوية التي حققتها في الجلسة السابقة والتي قاربت اثنين بالمئة، حيث يجد المستثمرون أنفسهم في مواجهة عاملين رئيسيين يضغطان على الأسواق، وهما التطورات المتعلقة بالرسوم الجمركية الأمريكية، وزيادة إنتاج "أوبك+" التي فاقت التوقعات.
وقد انخفضت العقود الآجلة لخام برنت، الذي يعد المعيار العالمي، بشكل طفيف لتستقر عند مستوى 69.37 دولارًا للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 67.69 دولارًا للبرميل، في دلالة واضحة على أن حالة من عدم اليقين بدأت تسيطر على معنويات المتعاملين في أسواق الطاقة العالمية.
إقرأ ايضاً:تراجع السوق لا يعني الانسحاب، تعرف على أبرز الأسهم الرابحةسجّل الآن.. فرصتك لتوثيق عقارك وضمان حقوقك في السجل العقاري
ويأتي هذا التراجع بعد يوم واحد فقط من التفاؤل، ليعكس الطبيعة الحساسة لسوق النفط، التي تتأثر بشكل مباشر بالتقاطعات بين العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، حيث يمثل ملف الرسوم الجمركية الأمريكية مصدر القلق الأبرز فيما يتعلق بالطلب المستقبلي على الخام.
إن التهديدات المتجددة بفرض رسوم جمركية أمريكية جديدة، تثير مخاوف حقيقية من تباطؤ محتمل في وتيرة نمو الاقتصاد العالمي، وهو ما يعني بالضرورة تراجعًا في الطلب على الطاقة، حيث إن أي حرب تجارية تؤدي إلى تقييد حركة السلع والبضائع، وتبطئ من نشاط المصانع ووسائل النقل.
ويقوم المستثمرون حاليًا بتقييم مدى جدية هذه التطورات، وتأثيرها المحتمل على الاقتصادات الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، والتي تعد من أكبر مستهلكي النفط في العالم، وبالتالي فإن أي تباطؤ في اقتصاداتها سينعكس سلبًا وبشكل مباشر على أسعار الخام.
وعلى الجانب الآخر من المعادلة، وهو جانب العرض، جاء قرار تحالف "أوبك+" ليضيف المزيد من الضغوط على الأسعار، حيث قررت ثماني دول في التحالف المضي قدمًا في خطتها لزيادة الإنتاج تدريجيًا، مع إضافة 548 ألف برميل يوميًا إلى السوق في شهر أغسطس المقبل.
ورغم أن هذه الزيادة تأتي في إطار خطة مدروسة ومعلنة مسبقًا، تهدف إلى إعادة جزء من التخفيضات الطوعية التي تم تطبيقها في وقت سابق، إلا أن حجم الزيادة، وتأكيد الالتزام بها، قد فاق توقعات بعض المحللين، مما أثار مخاوف من احتمالية وجود فائض في المعروض.
وتجد السوق نفسها الآن في مواجهة سيناريو معقد، فمن ناحية هناك مخاوف من تباطؤ الطلب المستقبلي بسبب التوترات التجارية، ومن ناحية أخرى هناك زيادة مؤكدة في المعروض من قبل كبار المنتجين، وهو مزيج من العوامل التي تضغط عادة على الأسعار نحو الانخفاض.
ويوازن المستثمرون بين هذه المخاوف المستقبلية، وبين مؤشرات الطلب الحالية التي لا تزال قوية، خاصة في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، حيث تشير البيانات إلى نشاط قياسي في السفر خلال العطلات، مما يدعم استهلاك الوقود.
إن هذه الحالة من الشد والجذب بين مؤشرات الطلب القوية والمخاوف من ضعفها مستقبلاً، وبين سياسة "أوبك+" الحذرة في زيادة الإنتاج، هي التي سترسم ملامح حركة الأسعار في الأسابيع القليلة المقبلة، وستجعل من التقلبات السعرية سمة أساسية للتداولات.
ويترقب المحللون أي بيانات اقتصادية جديدة قد تصدر عن الاقتصادات الكبرى، بالإضافة إلى أي تصريحات قد تصدر عن المسؤولين في الولايات المتحدة أو شركائها التجاريين، والتي قد توضح مسار ملف الرسوم الجمركية، وتزيل جزءًا من حالة عدم اليقين السائدة.
كما ستظل اجتماعات "أوبك+" الشهرية محط أنظار الجميع، حيث يراقب التحالف عن كثب توازن السوق، ويحتفظ بالمرونة اللازمة لتعديل مستويات الإنتاج بناءً على المستجدات، وهو ما يوفر نوعًا من الاستقرار النسبي ويمنع الانهيارات السعرية الحادة.
في المحصلة النهائية، يبدو أن أسعار النفط قد دخلت في مرحلة من إعادة التقييم، بعد صعودها في الجلسة السابقة، حيث تجبر العوامل الجديدة المستثمرين على توخي الحذر، وعدم المبالغة في التفاؤل، في انتظار اتضاح الصورة بشكل أكبر على جبهتي العرض والطلب.