تغير طفيف في أسعار النفط.. وخام برنت يحوم حول 69 دولارًا للبرميل

أسعار النفط
كتب بواسطة: محمد لؤلؤ | نشر في  twitter

في يوم هادئ نسبيًا، حبست أسواق النفط العالمية أنفاسها، حيث استقرت الأسعار دون تغير يذكر في تعاملات اليوم الجمعة، لتقف حائرة في منتصف معركة شد وجذب بين قوتين متعاكستين، هما صلابة سوق العمل الأمريكي، والغموض الذي يكتنف التوجهات التجارية للإدارة الأمريكية القادمة.

ففي تداولات ضعيفة تأثرت بعطلة يوم الاستقلال في الولايات المتحدة، سجلت العقود الآجلة لخام برنت بحلول الساعات الأولى من صباح اليوم ارتفاعًا طفيفًا بمقدار سنت واحد، ليصل إلى 68.81 دولارًا للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بواقع ثلاثة سنتات فقط، مسجلًا 67.03 دولارًا للبرميل.


إقرأ ايضاً:تحالف جوي جديد ... السعودية توقع اتفاقية كبرى للنقل الجوي مع صربيا وإندونيسيا!بعد موسمين متقلبين... الاتفاق يعلن بيع الجامايكي "ديماراي غراي" إلى برمنغهام في صفقة نهائية

هذا الاستقرار اللافت، الذي يبدو هدوءًا يسبق عاصفة، يعود في أحد أسبابه الرئيسية إلى مفارقة اقتصادية كلاسيكية، فقد جاءت الأخبار السارة من سوق العمل الأمريكي لتلقي بظلالها على توقعات الطلب على النفط، وتكبح جماح أي ارتفاعات سعرية محتملة.

وأظهرت البيانات الجديدة الصادرة يوم أمس الخميس، أن الاقتصاد الأمريكي أضاف 147 ألف وظيفة خلال شهر يونيو، وهو رقم تجاوز توقعات المحللين، كما هبط معدل البطالة بشكل غير متوقع إلى 4.1%، وهي مؤشرات قوية على أن أكبر اقتصاد في العالم لا يزال يتمتع بمتانة وقوة.

وعلى الرغم من أن هذه الأرقام إيجابية للاقتصاد بشكل عام، إلا أنها في عالم أسواق الطاقة، تحمل تفسيرًا مختلفًا، فهي تمنح مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) الضوء الأخضر لمواصلة سياسته النقدية المتشددة، والإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول.

فالفيدرالي الأمريكي، الذي يخوض معركة شرسة ضد التضخم، يرى في قوة سوق العمل دليلًا على أن الاقتصاد ليس بحاجة إلى تحفيز عبر خفض تكاليف الاقتراض، وهو ما يعني استمرار أسعار الفائدة المرتفعة، التي تؤدي بدورها إلى تقوية الدولار الأمريكي، وتجعل النفط المسعر به أكثر تكلفة على بقية دول العالم.

والأهم من ذلك، أن أسعار الفائدة المرتفعة تعمل كبح جماح للنمو الاقتصادي، وتقلل من وتيرة نشاط المصانع وحركة النقل، وهو ما يترجم في النهاية إلى تباطؤ في نمو الطلب العالمي على النفط، وهذا بالضبط ما تقوم الأسواق بتسعيره في الوقت الحالي، مما يمنع الأسعار من الارتفاع.

أما العامل الثاني الذي يفرض حالة من الجمود على الأسواق، فهو الضبابية السياسية التي تتعلق بالرسوم الجمركية، حيث يترقب المستثمرون في شتى أنحاء العالم بقلق، وضوح خطط الرئيس دونالد ترامب بشأن فرض رسوم جمركية جديدة على مختلف الدول، خاصة الصين وأوروبا.

ويمثل هذا الملف سيفًا مسلطًا على عنق الاقتصاد العالمي، فإشعال حرب تجارية جديدة من شأنه أن يعطل سلاسل الإمداد، ويرفع تكلفة السلع، ويؤدي إلى تباطؤ حاد في النمو العالمي، وهو السيناريو الأسوأ لأسواق النفط، حيث إن تباطؤ الاقتصاد يعني بالضرورة انخفاضًا كبيرًا في الطلب على الطاقة.

وفي ظل هذه الضبابية، يفضل كبار المستثمرين والمضاربين الوقوف على الهامش، وتجنب اتخاذ مراكز كبيرة في السوق، حتى تتضح الصورة بشأن هذا الملف الذي قد يغير قواعد اللعبة التجارية في العالم بأسره.

وعلى جانب العرض، فإن ما يمنع الأسعار من الانهيار هو الانضباط الذي يظهره تحالف "أوبك+"، الذي يواصل سياسة خفض الإنتاج للحفاظ على توازن السوق ودعم الأسعار عند مستويات مقبولة للمنتجين، مما يخلق نوعًا من الأرضية الصلبة التي تحمي الأسعار من الهبوط الحاد.

إذًا، فالسوق حاليًا يعيش حالة من التوازن الهش، فأسعار الفائدة المرتفعة وخطر الحرب التجارية يضغطان على الأسعار للأسفل، بينما تعمل قوة الاقتصاد الأمريكي الحالية وانضباط "أوبك+" على دعمها للأعلى، والنتيجة هي هذا الاستقرار شبه التام الذي نشهده اليوم.

إن هذا الهدوء في الأسعار قد لا يدوم طويلًا، فمع عودة المتداولين من عطلتهم في الولايات المتحدة الأسبوع المقبل، ومع ظهور أي تصريحات جديدة بشأن السياسة النقدية أو التجارية، من المتوقع أن تشهد الأسعار تحركات أكثر عنفًا.

وفي المحصلة، فإن استقرار أسعار النفط اليوم هو استقرار خادع، يخفي خلفه صراعًا عميقًا بين مؤشرات اقتصادية متضاربة، ومخاطر سياسية كبرى، ليبقى السوق في حالة ترقب، منتظرًا أي إشارة جديدة قد تحدد اتجاهه في الأسابيع القليلة المقبلة.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | هيئة التحرير | اتصل بنا | سياسة الخصوصية