بتعاون "سعودي - يمني - دولي".. انطلاق أضخم مشروع لترميم "كنز حضرموت" التاريخي

بعد سنوات طويلة من التدهور الذي كاد أن يطمس معالمه كرمز تاريخي عريق، يشهد قصر سيئون في محافظة حضرموت شرقي اليمن اليوم مرحلة جديدة من الإحياء والترميم، بفضل جهود البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن الذي يقود مشروعًا شاملاً لترميم هذا الصرح الحضاري العتيق، بهدف استعادة بريقه الأصيل والحفاظ عليه كجزء من التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة.
يُعد قصر سيئون تحفة معمارية فريدة تمثل نموذجًا بارزًا للهندسة المعمارية اليمنية التقليدية، حيث يعكس تصميمه المتقن روح العمارة الطينية التي تزخر بها حضرموت، ويتميز القصر بموقعه الاستراتيجي على قمة صخرة تطل على مدينتي شبام وتريم، وهو من أكبر المباني الطينية في العالم، ما يجعله علامة بارزة ليس فقط في اليمن، بل على مستوى العمارة الطينية العالمية.
إقرأ ايضاً:مشهد لا ينسى.... الهلال يفجرها بهدفين التعادل في شباك مانشستر سيتي!بلانيس يحسم الجدل حول شائعة الرحيل... والاتحاد قادم بصفقات نارية!
بُني القصر في الأصل كحصن منيَع لحماية المدينة، لكنه تحول مع مرور الزمن إلى مقر رسمي لسلاطين الدولة الكثيرية، الذين حكموا وادي حضرموت لقرون، مما أكسبه شهرة باسم "قصر السلطان الكثيري".
على الرغم من أهميته التاريخية، لم يسلم القصر من عوامل الزمن والتقلبات المناخية، حيث تعرض لأضرار جسيمة بسبب الإهمال والأمطار الغزيرة، وبلغت الحالة ذروتها في عام 2022 حينما انهار جزء كبير من السور الخارجي، مما أثار مخاوف محلية واسعة حول مصيره.
هذا الحادث دفع الجهات المعنية والمجتمع المحلي إلى المطالبة بتحرك عاجل لإنقاذ هذا المعلم التاريخي الذي يحمل في طياته ذاكرة حضارة تمتد لأكثر من خمسة قرون.
يقول حسن، أحد السكان المقيمين قرب القصر: "كنا نخشى سقوطه في أي لحظة، خاصة مع تدهور حالته في مواسم الأمطار، وعدم وجود صيانة دورية للحفاظ عليه، لكن اليوم نشعر بسعادة كبيرة ونحن نرى أعمال الترميم جارية، ما يعيد الحياة لهذا المعلم التاريخي الذي يعبر عن هويتنا وتراثنا".
واستجابة لهذا النداء، أطلق البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن مشروع ترميم شامل لقصر سيئون، بتمويل سعودي وتنفيذ من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبالتعاون مع وزارة الثقافة السعودية، والهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن، إضافة إلى الدعم الفني واللوجستي من الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن.
شملت أعمال الترميم إصلاح السور الخارجي والجدران الطينية، وترميم السقوف الخشبية والأبواب والنوافذ المنحوتة التي تعكس براعة الحرفيين اليمنيين، مع إيلاء اهتمام خاص لإعادة إحياء الزخارف والنقوش التقليدية التي تزين القصر.
كما تضمنت الخطة تدريب فرق محلية من المهندسين والفنيين لضمان استمرار أعمال الصيانة والترميم مستقبلاً، ما يضمن استدامة الحفاظ على هذا المعلم التاريخي العريق، وفي تصريح سابق خلال حفل إطلاق المشروع في نوفمبر 2022، أكد السفير محمد بن سعيد آل جابر، المشرف العام على البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
أن هذا المشروع يهدف لحماية القصر كمركز ثقافي في بيئة حضرية، وأن جميع الأعمال تتم عبر أيدي يمنية وبشراكة مع الجهات المختصة، يتكون قصر سيئون من سبعة طوابق تضم 96 غرفة، منها 45 غرفة كبيرة و14 مستودعًا، ويستخدم القصر اليوم كمتحف يعرض قطعًا أثرية نادرة، إلى جانب احتوائه على مكتبة عامة تخدم الباحثين والمهتمين بالتراث.
ويأمل القائمون على المشروع في تحويل القصر إلى مركز ثقافي وسياحي مهم، قادر على استقبال أعداد كبيرة من الزوار على مدار العام، وإقامة الفعاليات والمناسبات التي تبرز الثقافة اليمنية العريقة.
يأتي هذا المشروع ضمن سلسلة واسعة من المبادرات التي ينفذها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، والتي تشمل أكثر من 260 مشروعًا تنمويًا في مجالات التعليم، الصحة، النقل، الطاقة، المياه، الزراعة، والثروة السمكية، إضافة إلى دعم قدرات الحكومة اليمنية.
وتبرز جهود البرنامج السعودي في الحفاظ على التراث اليمني كجزء أساسي من رؤية أوسع تعزز التنمية المستدامة والاستقرار في البلاد، عبر صون الموروث التاريخي والحضاري الذي يشكل عمق الهوية الوطنية.
إن استعادة قصر سيئون، الذي استغرق بناؤه نحو 15 عامًا باستخدام الطوب اللبن ومزج الفنون المعمارية المختلفة، يشكل رمزًا حيًا لتلاحم التاريخ والحاضر، وحافزًا قويًا لدعم السياحة الثقافية في حضرموت واليمن عموماً، وهو تأكيد على أهمية التعاون الدولي والمحلي للحفاظ على تراث حضارات عربية خالدة.