لإنهاء "الاحتيال والتلاعب".. قانون التأمين الجديد يضع حداً للممارسات غير النظامية.. والعقوبات رادعة

أقرّت الجهات المختصة في المملكة نظام التأمين الجديد، متضمّنًا مجموعة من العقوبات الصارمة تهدف إلى تنظيم القطاع، والحد من التجاوزات التي تؤثر على نزاهة السوق وسلامة التعاملات، وشمل النظام الجديد بنودًا واضحة تنص على عقوبات بالسجن، وغرامات مالية تصل إلى 5 ملايين ريال في حالات محددة تتعلق بالمخالفات الجسيمة.
ويأتي هذا النظام في إطار الجهود التشريعية المستمرة التي تبذلها الدولة لإعادة هيكلة وتنظيم القطاعات المالية والاقتصادية، بما يعزز الشفافية ويضمن حماية حقوق جميع الأطراف، سواء المؤمّن لهم أو شركات التأمين ومقدمي الخدمات المساندة.
إقرأ ايضاً:المركزي السعودي يعزز أدواته لضبط السيولة وتخفيف تقلبات السوقتطبيق التأمينات إلزاميًا على الرياضيين السعوديين بدءًا من يوليو
ويستهدف النظام الجديد التصدي للممارسات غير النظامية، مثل تقديم بيانات غير صحيحة للحصول على تعويضات، أو التلاعب في مستندات التأمين، أو إصدار وثائق تأمينية دون ترخيص، وهي مخالفات اعتبرها النظام تهديدًا مباشرًا لأمن السوق وسلامة التعاملات.
وقد شددت بنود النظام على أن عقوبة السجن قد تصل إلى 5 سنوات، في حال ثبتت نية الاحتيال أو التزوير في مستندات تأمينية، بالإضافة إلى مصادرة الأموال أو الأصول المتحصلة من المخالفات، كجزء من آلية ردع شاملة ضد أي سلوك غير نظامي.
وأكدت الجهات التنظيمية أن الغرامات المالية قد تصل في بعض الحالات إلى 5 ملايين ريال، وفقًا لنوع المخالفة وخطورتها، مع إمكانية مضاعفتها حال تكرار المخالفة أو وجود أضرار جسيمة لحقت بالأفراد أو الجهات ذات العلاقة.
كما منح النظام الجديد الجهات المختصة صلاحيات واسعة في الرقابة، بما في ذلك حق الدخول إلى المنشآت التأمينية وفحص بياناتها وسجلاتها، واتخاذ الإجراءات النظامية فورًا عند اكتشاف أي تجاوز، بما يضمن الاستجابة الفورية والتعامل الصارم مع المخالفين.
وأشار مراقبون إلى أن النظام يمثل تحولًا جوهريًا في حوكمة قطاع التأمين، الذي بات يشهد نموًا متسارعًا في المملكة، خاصة مع تنوع المنتجات التأمينية وزيادة عدد المستفيدين، ما يستدعي إطارًا قانونيًا متينًا لضبط التعاملات وتفادي الثغرات السابقة.
ويُتوقع أن يسهم النظام في تعزيز ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء، من خلال توفير بيئة عمل قائمة على العدالة والشفافية والمساءلة، لا سيما في ظل دخول شركات عالمية جديدة إلى السوق السعودي مع توسع الاقتصاد الوطني.
كما تضمّن النظام لوائح خاصة لضمان أهلية العاملين في قطاع التأمين، والحد من التوظيف العشوائي أو غير المتخصص، مع فرض شروط واضحة للحصول على التراخيص، وتجديدها، ومعايير رقابية تشمل الكفاءة والملاءة المالية والاستعداد الفني.
وفي حال ارتكبت الجهة المؤمِّنة أو أحد منسوبيها مخالفة تمس أمان العملاء أو نزاهة الإجراءات، فبإمكان الجهة الرقابية تعليق نشاطها مؤقتًا، أو سحب الترخيص بالكامل في حال عدم تصحيح الوضع خلال فترة محددة، وهو ما يُعد من أقوى أدوات الحوكمة في النظام الجديد.
وشددت اللائحة على ضرورة التزام شركات التأمين بتقديم الإفصاحات الدقيقة والشفافة حول المنتجات التأمينية، وتحذير العملاء من الشروط أو الاستثناءات المعقدة، بهدف حماية المستهلك من التضليل أو الفهم الخاطئ الذي قد يُسبب خسائر لاحقة.
ويحمل النظام جانبًا وقائيًا أيضًا، حيث يلزم جميع الأطراف بالتعاون الكامل مع الجهات الرقابية، والإفصاح عن أي شبهات مخالفات أو عمليات احتيالية، مع توفير آليات إبلاغ سريّة تتيح للأفراد التبليغ دون تعرضهم لأي ضرر وظيفي أو قانوني.
ويرى متخصصون أن النظام الجديد لا يهدف فقط إلى الردع والعقوبة، بل إلى بناء منظومة متكاملة تضمن الشفافية والمصداقية، وتعزز جودة الخدمة، وترتقي بمعايير العمل في القطاع، بما يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030 في تطوير القطاع المالي.
وأكدت الجهات المعنية أن تطبيق النظام سيبدأ بعد فترة انتقالية محددة، تتيح للمنشآت التأمينية توفيق أوضاعها، وتحديث آلياتها الداخلية بما يتوافق مع الاشتراطات الجديدة، مع عقد ورش توعوية لضمان فهم القطاع كاملًا لمتطلبات النظام.
ويُعد هذا النظام رسالة واضحة بأن المملكة ماضية في تطوير بيئة أعمال قائمة على القانون والمساءلة، وأنها لا تتهاون مع أي تجاوزات تمس الاقتصاد الوطني أو ثقة الأفراد في المنظومة التأمينية، التي تُعد ركيزة أساسية في أي اقتصاد متقدم.