ثورة في التنبؤ بالطقس: الذكاء الاصطناعي يحذر من العواصف بدقة وسرعة فائقة

في تطور علمي يبشر بعهد جديد في مواجهة الكوارث الطبيعية، كشف باحثون من الولايات المتحدة وهولندا عن إمكانيات غير مسبوقة للذكاء الاصطناعي في تحسين سرعة ودقة التنبؤ بالعواصف والأعاصير، هذه الاختراقات التي قد تحدث ثورة في أنظمة الإنذار المبكر، تعتمد على نماذج متطورة قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات الجيوفيزيائية وتقديم توقعات دقيقة في غضون ثوانٍ، مقارنة بالنماذج التقليدية التي تستغرق دقائق.
لقد أظهرت الأبحاث، التي نُشرت مؤخرًا في ورقة علمية، أن نموذج "أوروا" للذكاء الاصطناعي، الذي طورته شركة مايكروسوفت، يتفوق بشكل لافت على أنظمة التوقع التقليدية في عدة مجالات حيوية، لا يقتصر تفوق "أوروا" على التنبؤ بجودة الهواء وأمواج المحيطات فحسب، بل يمتد ليشمل مسارات الأعاصير المدارية بدقة غير مسبوقة، كل ذلك بتكلفة حوسبة أقل بكثير، هذا الإنجاز يفتح آفاقًا جديدة أمام الدول النامية التي قد تستفيد من هذه التقنيات المبتكرة لتخفيف أضرار الكوارث المناخية.
إقرأ ايضاً:الشباب السعودي يبدعون في خدمة ضيوف الرحمن.. نماذج مشرقة من العطاء والتطوع في موسم حج 2025الأمير سعود بن مشعل يعلن نجاح الحج ويشيد بجهود المنظومة
وقد استند تطوير نموذج "أوروا" إلى تدريب مكثف على أكثر من مليون ساعة من البيانات الجيوفيزيائية المتنوعة، هذه القاعدة الضخمة من البيانات منحت النظام قدرة فائقة على تقديم توقعات دقيقة، ليس فقط للطقس اليومي، بل لمجموعة واسعة من الأحداث المناخية المعقدة، وتشمل هذه الأحداث الأعاصير المدمرة وأمواج المحيطات العاتية، مما يوفر سلاسل تحليل استرجاعية تمكن العلماء من فهم أفضل لأنماط الطقس المتغيرة.
في سياق متصل، قدم فريق بحثي مشترك من الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) وجامعة أوكلاهوما إسهامًا بارزًا آخر، فقد أثبتوا أن نموذجًا للتوقع طوروه باستخدام أداة "جرافكاست" الموجودة ضمن نموذج الذكاء الاصطناعي "جوجل ديب مايند" يمكن أن يكون أسرع بعشر مرات من النماذج التقليدية في التنبؤ بالأعاصير، هذا التقدم يعني أن المجتمعات الساحلية والمناطق المعرضة للعواصف يمكن أن تتلقى تحذيرات قبل وقت كافٍ لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.
قام الباحثون بتدريب نموذج "ديب مايند" باستخدام بيانات من نظام التحذير والتوقع الخاص بالإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وقد أسفر هذا التدريب عن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي جديد أُطلق عليه اسم "دبليو.أو.إف.إس.كاست" (WoFS-Cast)، والذي يقلص الوقت اللازم للحصول على توقعات الأرصاد الجوية من دقائق إلى مجرد ثواني، هذا التحول الكبير في سرعة المعالجة يعني أن متخذي القرار يمكنهم الاستجابة بشكل أسرع وأكثر فعالية للأحداث المناخية الوشيكة.
لقد أظهر نموذج "دبليو.أو.إي.إف.إس.كاست" دقة ملحوظة في توقع كيفية تطور العواصف على مدى فترة تصل إلى ساعتين، وتتطابق هذه التوقعات بنسبة تتراوح بين 70% و 80% مع تلك التي تم الحصول عليها من خلال نظام التحذير التقليدي، مما يؤكد موثوقية وكفاءة هذا النموذج الجديد، هذه النتائج الواعدة تعزز الثقة في قدرة الذكاء الاصطناعي على أن يصبح أداة لا غنى عنها في جهود التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية.
إن الاستفادة من هذه التقنيات المتطورة في مجال التنبؤ بالطقس والعواصف يمثل خطوة عملاقة نحو بناء مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التحديات المناخية المتزايدة، فكلما كانت التحذيرات أسرع وأكثر دقة، كلما زادت الفرصة لإنقاذ الأرواح والممتلكات، وتقليل الخسائر الاقتصادية والبشرية الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة.
من المؤكد أن هذه الاكتشافات البحثية ستلهم المزيد من الابتكار والاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي لتطبيقاته في علم الأرصاد الجوية وعلوم المناخ، ومع استمرار تطور هذه التقنيات، يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل تكون فيه القدرة على التنبؤ بالكوارث الطبيعية ليست مجرد إمكانية، بل واقعًا يساهم في حماية كوكبنا وسكانه.