تحذير من "الغفلة الصيفية": المنيع يضع الإجازة في ميزان الشرع ويحذر من ضياع العمر

مع اقتراب الإجازة الصيفية التي ينتظرها الطلاب والطالبات بفارغ الصبر، أطلق عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، نداءً مختلفًا، بعيدًا عن لغة الترفيه المعتادة، موجّهًا فيه الأنظار إلى قيمة الوقت وضرورة استثماره فيما يعود بالنفع على الإنسان في دينه ودنياه.
جاءت كلمات المنيع خلال مشاركته في برنامج "يستفتونك" على قناة الرسالة، في توقيت دقيق لا يخلو من رمزية، إذ تستعد الأسر في المملكة لبدء الإجازة الصيفية يوم الخميس المقبل، الموافق 1 محرم 1447هـ، وهي بداية عام هجري جديد يُفترض أن يُستقبل بالعزم لا بالتراخي.
إقرأ ايضاً:الصاعدي: تسهيل مغادرة الحجاج الإيرانيين يعكس التزام المملكة بتحقيق موسم حج مثاليالقطاع السياحي يحلّق عاليًا: السعودية تحقق أعلى رقم في تاريخها السياحي عام 2024؟
الشيخ المنيع لم يكتفِ بالنصح التقليدي، بل وضع الإجازة في إطارها الشرعي والإنساني الأعمق، مؤكدًا أن الراحة لا تعني الغفلة، وأن الوقت الذي يمر لا يُعوَّض، فمن عاش اللحظة دون وعي قد يستفيق يومًا على عمرٍ مضى دون ثمرة.
وفي لهجة تحذيرية واضحة، أشار إلى أن بعض الناس يجعلون من الإجازة ميدانًا للهو والمخالفات، متناسين أنها جزء لا يتجزأ من أعمارهم، يُسألون عنه، كما يُسألون عن أوقات الجد والعمل، وأن في ذلك تفريطًا في نعمة منحها الله، لا لأنها راحة، بل لأنها اختبار خفيّ.
وشدّد المنيع على أن الإنسان خُلق لهدف، وأن الأصل في عمره أن يكون معمورًا بالخير، لا مجرّد أيام تمضي، مشيرًا إلى أن السعادة الحقيقية لا تُطلب من الخارج، بل تُبنى من الداخل، حين يرتبط الفرد بمبادئه ويجد راحته في الإنجاز.
وحثّ الطلاب والطالبات، وكذلك أولياء أمورهم، على أن يكونوا أكثر وعيًا بهذا الفصل من حياتهم، معتبرًا أن الفراغ لا يُملأ عبثًا، بل يُوجَّه بقصد ونية، سواء عبر العبادة، أو تعلّم علم نافع، أو ممارسة نشاط مفيد يعيد التوازن إلى الروح والعقل.
وفي السياق ذاته، لفت المنيع إلى أن قراءة القرآن الكريم، أو حفظه، أو التأمل في معانيه، تعد من أعظم ما يمكن أن يُستثمر فيه الوقت، خصوصًا في الإجازة، حين تتخفف النفس من ضغوط الدراسة وتكون أكثر استعدادًا للتركيز والتأمل.
كما نبّه إلى أن بعض الرحلات والأنشطة التي تُخطط لها بعض العائلات في هذا الوقت، قد تخرج عن إطار المباح، داعيًا إلى الترفيه المسؤول، الذي لا يتعارض مع القيم ولا يُدخل الإنسان في دائرة اللهو المُفرّط.
وعاد ليؤكد أن الإجازة لا تُفهم على أنها هروب من الانضباط، بل فرصة لخلق نمط حياة مختلف، يحمل في داخله راحة النفس، دون أن يخرج عن حدود الشرع أو يفقد المعنى الحقيقي للوجود.
واستحضر المنيع في كلماته أبعادًا تربوية عميقة، حيث دعا أولياء الأمور إلى مراعاة التوجيه، لا من باب السلطة، بل من باب المسؤولية، فهم مرآة أبنائهم في السلوك والتخطيط والنظرة إلى الحياة.
وتأتي تصريحات المنيع بالتزامن مع إعلان وزارة التعليم أن إجازة العام الدراسي 1446هـ/2025م للطلاب والطالبات ستستمر لمدة 59 يومًا، حتى يوم الأحد 29 صفر 1447هـ، الموافق 24 أغسطس 2025م، وهو ما يُمثل فرصة زمنية كبيرة قد تغيّر الكثير إن أُحسن استخدامها.
أما المعلمون والمعلمات، فقد حُددت لهم إجازة لمدة 52 يومًا، تنتهي في 23 صفر 1447هـ، الموافق 17 أغسطس 2025م، مع عودة المشرفين والإداريين إلى المدارس يوم 18 محرم 1447هـ، ما يُظهر تباينًا في توقيتات العودة، لكنه لا يُنقص من ضرورة التخطيط الفردي لكل فئة.
ويُنتظر أن ينطلق العام الدراسي الجديد يوم الأحد 1 ربيع الأول 1447هـ الموافق 24 أغسطس 2025م، ما يضع الجميع أمام نافذة زمنية قد تبدو طويلة لكنها تمضي سريعًا، وتكمن الحكمة فيمن يُحسن احتواءها وتوجيهها.
وبين سطور الرسالة التي حملها الشيخ المنيع، تتضح معالم رؤية أعمق للحياة، لا تقف عند حدود الترفيه أو الإنجاز المدرسي، بل تمتد إلى إعادة تشكيل الوعي المجتمعي تجاه قيمة الوقت، وربط الحاضر بالمصير.
هي دعوة خفية لإعادة تعريف الإجازة، ليس كاستراحة من الجهد، بل كمنصة للارتقاء، وميدان لتهذيب النفس، وتجديد الصلة بالخالق، وبالذات، وبالعائلة، بعيدًا عن الانشغال الزائف الذي لا يُنتج إلا الفراغ الأكبر.